وزارة المالية تنفي و”المركزي” يصرّ… جدل حول الدين الأخطر في تاريخ لبنان



ليبانون ديبايت" - باسمة عطوي

 

يؤكد مصدر مطّلع لـ”ليبانون ديبايت” أن “وفد صندوق النقد الدولي خلال زياراته الفصلية إلى لبنان، ومنها زيارته الأخيرة في أيلول الماضي، يُكرّر على مسامع المسؤولين اللبنانيين أن “دين الـ16 ملياراً و500 مليون دولار”، الذي يعلن حاكم مصرف لبنان كريم سعيد مراراً أنه التزام مُستحق على الدولة لمصلحة المصرف المركزي، يُعتبر أحد العقبات الأساسية أمام التقدم نحو توقيع اتفاق قريب مع الصندوق، لأن أحد مطالبه الجوهرية يتمثل في إبقاء مستوى الدين العام “مستداماً” على المدى البعيد، أي أن تبقى الدولة قادرة على إعادة تسديد هذه المبالغ في المستقبل من دون التعثّر مجدداً”.

 

ويجزم المصدر أنه “في حال اعترفت الدولة اللبنانية بهذا الدين، فإن ذلك سيشكّل خطورة على حقوق المودعين (ويضعف إمكانية تعويضهم في أي خطة مستقبلية)، كما سيضر بمصلحة الدولة اللبنانية وموجودات المصرف المركزي، ويؤثر سلباً على مسار إعادة هيكلة الدين العام بأسره، والتفاوض مع حاملي سندات اليوروبوند”.

 

ويلفت إلى أن “موقف صندوق النقد سيسمعه الوفد اللبناني مجدداً هذا الشهر، مع تحضير المشاركة في اجتماعات الخريف للصندوق في واشنطن. ولذلك يُبدي الطرفان المعنيان، أي وزارة المالية ومصرف لبنان، جدية في البحث عن “تسوية” حول هذا الموضوع، وأن أجواء النقاشات الدائرة حالياً بين الجانبين ليست سلبية، بل يطغى عليها شعور بضرورة التوصل إلى حلّ، ومن المرجح أن يكون مساهمة الدولة في رسملة المصرف أحد المخارج”.

 

عودة النقاش حول هذا الدين إلى الواجهة مردّه إلى قانون “الفجوة المالية” الذي يُصر صندوق النقد أيضاً على إنجازه قبل توقيع الاتفاق مع لبنان، كونه يحدد آليات التعامل مع خسائر المصرف المركزي، ومسؤولية الدولة والتزاماتها تجاهه. علماً أن وزارة المالية لا تعترف بمبلغ الـ16,5 مليار دولار، وتعتبره “رقماً خلقه الحاكم السابق رياض سلامة لتحسين دفاتره”. إذ يؤكد وزير المالية ياسين جابر في تصريحاته الإعلامية أن “لا يمكن تحميل الدولة مبلغاً يوازي نصف الناتج، لأن هذا الأمر يشكّل خطراً على طريقة تعامل الدولة مع حاملي اليوروبوند، إذ يمكن أن يقولوا: لم تُخبِرونا بحجم الدين قبل الاستدانة؟ ما يتيح لهم عندها تقديم دعاوى ضدنا بالغش وعدم الشفافية، كما لا يمكن تحميل الدولة هذا الدين لعدم وجود أي قانون صادر عن مجلس النواب يجيز مثل هذه الاستدانة”.

 

ويعلّق المصدر: “هذا الخلاف يعكس زاويتين مختلفتين، محاسبياً موقف المصرف له وجاهة، أما قانونياً وسيادياً فإن موقف الوزارة يحمي المالية العامة من تحميلها التزامات إضافية. غير أن ما يثير الريبة ويستدعي وقفة جدية، هو غياب التدقيق الجنائي الشفاف الذي يوضح كيف صُرفت هذه الأموال، ولماذا لم يقم مصرف لبنان بتسجيل هذه المطلوبات على وزارة المالية في موازناته قبل عام 2023؟”.

 

ويرى أن “في كلا الحالتين، سواء كان المصرف المركزي أو وزارة المالية على حق، يبقى المؤكد أن المودع والمواطن هما من دفعا حتى اليوم الثمن الباهظ نتيجة انعدام الشفافية وفساد الطبقة الحاكمة. فالمشكلة التي سيُسبّبها هذا الدين، إذا اعتُرف به، أنه سيفتح الباب أمام الطعن بالاستقلالية المؤسسية والقانونية لمصرف لبنان، من خلال اتهامه بالتواطؤ لترتيب ديون جديدة على الدولة لمصلحته بطريقة غير قانونية، أو إخفاء هذه الديون في ميزانياته قبل 2023، بما يسمح لحملة السندات بالادعاء بأن الهدف من هذا التواطؤ هو تحميل الدولة كلفة خسائر رتّبها المصرف المركزي سابقاً. وهو ما قد يدفع، في المقابل، إلى تحميل المصرف المركزي نسبة من خسائر الدولة ومديونيتها”.

 

وتجدر الإشارة إلى أن مسألة هذا الدين تعود إلى شباط 2023، حين قرر سلامة تعديل ميزانيات المصرف بالتوازي مع تغيير سعر الصرف الرسمي للمرة الأولى. وفي تلك الفترة ظهر هذا الدين في الميزانية ضمن بنود الموجودات، باعتبار أن الدولة مدينة لحساب مصرف لبنان بهذه الأموال. ثم تبيّن أن سلامة عاد بالزمن إلى الوراء حتى العام 2007، واحتسب جميع نفقات الدولة بالعملات الأجنبية كديون عليها، بما فيها تلك التي موّلتها الدولة بعمليات “قطع” (أي تحويل الجبايات الضريبية من الليرة إلى الدولار). وبمعنى آخر، قام سلامة بتغيير طبيعة العمليات التي جرت في الماضي بمفعول رجعي، لتتحول من عمليات قطع إلى عمليات استدانة.

حول

موقع طيور البارد الالكتروني مجموعة مهتمة بالشأن الفلسطيني تعنى برفع سوية المجتمع والعمل التطوعي. توسعت أنشطة عملها مع اللاجئين و المجتمع الفلسطيني في كل العالم لجمع الشتات