رغم حجم الألم الذي يشعر به عموم اللبنانيين جراء سقوط الكثير من الشهداء والضحايا بفعل العدوان الإسرائيلي على لبنان، فإن جرحاً آخر ينزف نتيجة الخسائر الكبيرة في الممتلكات بما يؤثر سلباً على الإقتصاد والوضع المالي إلا أنه لن يصيب الوضع النقدي بأي ضرر جراء الإجراءات المتّبعة من المصرف المركزي.
وفي هذا السياق، يشير الخبير الإقتصادي دكتور محمود جباعي، في حديث لـ “ليبانون ديبايت”، إلى أنه “هناك اليوم 3 أطر يجب التطرق إليها:
– أولا: ما يتعلّق بالموضوع النقدي، فلبنان لا زال لديه القدرة على الصمود، فالمصرف المركزي والمجلس المركزي لديه خطة واضحة توجب أنه مهما تم إستعمال من أموال للحكومة من حساب 36 سواء بالليرة أو بالدولار ليس هناك من داعٍ للخوف على سعر الصرف، وهذا الثبات مؤمن مهما حصل ومهما بلغ حجم الحرب، فالمصرف المركزي لديه كافة القدرات التي بإمكانه إستعمالها للمحافظة على الإستقرار النقدي، لذ فإن لا خوف من هذه الناحية.
ويلفت إلى أن الإجراء الذي إتبعه مصرف لبنان والمجلس المركزي والذي ينص على زيادة الدفعات إلى 3 مرات وفق التمعيمين 158 و166 لمرة واحدة، سيضخ في السوق حوالي 200 الدولار فريش كسيولة نقدية، ممّا يشكل حركة إقتصادية وفي الوقت ذاته يساهم بإستقرارنقدي هام، فهو يدخل الدولار إلى السوق بشكل واضح.
ويوضح أنه في حال تم استعمال كمية من الليرات من قبل الحكومة فإن هناك دولار مقابل له والذي سيضخه المصرف المركزي وفقاً للتعميمين، عدا عن الإجراءات الأخرى المرتبطة بكيفية إدارة الكتلة النقدية وبالدولار وبالتالي من الناحية النقدية سيستمر الصمود وليس هناك من خوف، وعلى العكس فإن المصرف المركزي والمجلس المركزي يدرسان ويفكران بخطوات متتابعة لمواجهة هذا الأمر.
-ثانياً: فيما يتعلّق بالناحية المالية، فلا يشكك أبداً بأن مالية الدولة وإيراداتها ستتأثر اليوم من حيث الجباية وستتعطل في جزء كبير من لبنان، ممّا سيؤثر حتما على حجم الإيرادات الذي كان موجودا بموازنة 2024 لأن التحصيل سيكون أقل، وهذا يتسبّب بخسائر مرتبطة بالتأثير المالي ولا أحد يمكنه نكران ذلك.
ويذكر أن الإيرادات الشهرية للحكومة تصل إلى 250 مليون دولار بين ليرة ودولار وبالتأكيد سيتأثر هذا الرقن ومن الممكن أن يفقد جزء منه في ظل الحرب القائمة حاليا، ولكن يبقى على الحكومة اليوم إيجاد خطة طوارئ مالية وإستعمال ما لديها من أموال في حساب 36 والتي تقدر بحوالي 500 مليون دولار فريش 2 مليار دولار بالليرة اللبنانية ودرس كيفية إستعمالها في المرحلة القادمة بالإتفاق مع مصرف لبنان، ويتوقع أنه كلما طال أمد الحرب كلما كانت الإيرادات أقل والنفقات ستزداد وبالتالي سنتجه نحو عجز بالموازنة من الممكن أن يصل إلى أكثر من 2% ومن الممكن ان يرتفع هذا العجز إذا توسعت أكثر.
-ثالثاً: من الناحية الإقتصادية، من المؤكد أن الخسائر الإقتصادية كبيرة لا سيما مع توسع رقعة المواجهات وهذا سيساهم في إنكماش الناتج المحلي، وسيسبب بالخسارة، مذكراً انه في حرب الإسناد كان لدينا خسارة يومية بين 8 الى 10 مليون دولار تقريبا وهي خسائرلكافة القطاعات التي تتأثر بالحرب مثل السياحة والحركة التجارية والصناعية والزراعية.
ويرجّح أنه في حال إستمرت الحرب بالتوسع فإن الرقم سيصل ما بين 25 الى 30 مليون دولار كخسارة إقتصادية غير مباشرة يومية، ومن الممكن أن تزداد أكثر في حال حصل شلل أكبر للمطار وللمرفأ وإذا فرض حصار على البلد.
وإذ يأمل عدم حصول ذلك، يذكّر أيضاً بكلفة الدمار الكبيرة والتي تبلغ عشرات ملايين الدولارات، إضافة إلى كلفة الإغاثة والنزوح التي تتكلّفها الدولة اللبنانية والجمعيات، فهناك مليون و250 ألف نازح وهم بحاجة الى إغاثة ومساعدات تتطلب مبالغ طائلة تصل الى ملايين الدولاراتيومياً التي ستتكفلها الحكومة ناهيك عن الوضع الصحي والطبابة والاسعاف، وبالتالي كل هذه الأمور من الممكن أن تكلّفنا عشرات ملايين الدولار يوميا وخسائر مباشرة أيضا، وبالتالي وضعنا من الناحية الإقتصادية سيكون أصعب فلدينا مشكلة كبيرة في هذا الخصوص.
ويتمنى دكتور جباعي، من القوى السياسية ورئيسي الحكومة والمجلس النيابي نجيب ميقاتي ونبيه بري وكافة القوى السياسية اللبنانية محاولة الوصول لصيغة سريعة لإحتواء الموقف وعدم الذهاب إلى أوسع من ذلك فكل يوم يمر نستنزف المزيد من الشهداء والجرحى وخسائر اقتصادية ومالية كبيرة والتي سيكون لها إنعكاسات سلبية على مستقبل لبنان.