تجوع ليحيا:المعتقل الكبير الذي يستنزف حياة سكانيه



 
تجوع ليحيا:المعتقل الكبير الذي يستنزف حياة سكانيه
 
كتب :مصطفى نصار. 
عائلة لا تعرف الاستسلام: مكانة مصر المستقبلية في عنق إطلاق سراح علاء عبد الفتاح .
 
حتى كتابة هذا المقال ، تحولت الدكتور ليلى سويف أستاذة علم الرياضيات في جامعة القاهرة بشكل ودي بعد مناشدات عديدة من الأطباء المشرفين على علاجها بعد إضراب عام عن الطعام دام ٥ شهور بمعدل ١٥٧ يوم لتتناول جلوكوز بمعدل ٣٠٠كالوري احتاجًا على اعتقال ابنها الناشط السياسي الشهير علاء عبد الفتاح الذي يقضي عقوبة لا سند لها حتى في شريعة الغاب بعدما قضى عقوبته المحددة بخمس سنوات تبدأ بالمخالفة لقانون الإجراءات الجنائية من لحظة محاكمته ليس من لحظة القبض عليه كما تنص المادتين ٧٦ و ٨٩ منه .
 
و مثلها كمثل أسر المعتقلين كافة ، و البالغ عددهم ما بين ١٠٠ ألف لربع مليون شخص ، أغلبهم من العلماء و المفكرين و الناشطين و الكتاب و الصحفيين المواجه لأشد أنواع التعذيب النفسي و الجسدي ، و ينطوي الاعتقال على رسالة مفادها أن معارضة النظام السياسي مصيرها إما السجن أو الإعدام ، غير المعاملة الوحشية و الظالمة لأسر المعتقلين من عدم إيصال الزيارات الغذائية و زيارات الملابس التي بالكاد تدفئهم في الشتاء القارس فضلًا عن اللمز و الهمز من الضباط المشرفين على السجن ، واصلًا للتكدس الزحمائي في الزناين و الصلف الكبير في المعاملة ، إنها صورة مليئة بالاحتقار المدفون للعلم كذلك و الوعي من الدولة البولسية الأكبر في الوطن العربي احتواءً للمعتقلين عقب سقوط نظام الأسد من المعارضة المسلحة منذ قرابة ٣ شهور ، و ذات سمعة سيئة في الحياة اليومية و السجون غير الأدمية أيضًا.
 
لم تكن المرة الأولى التي تنشط فيها ليلى سويف لما في تاريخها النضالي من محطات و دلائل عميقة ، فبدايتها السياسية كانت في العام ١٩٧١ م حينما انطلقت في مظاهرة للضغط على السادات للضغط الشعبي لتنفيذ وعده المسمى آنذاك "لحظة الحسم"لخوض الحرب ضد إسرائيل مثلما أعلن، فاعتقل بعضهم مثل زوجها المحامي أحمد سيف الإسلام حمد .
 
علاوة على ذلك، فإن زوجها اعتقل عدة مرات في عهدي مبارك ، و السادات ، و كذلك ليلى تعرضت لعدة حملات تشويه ممنهجة في حياتها ، غير تسخير زوجها لحياته بهدف  الدفاع عن المعتقلين السياسيين ، و لهذا لا تعرف هذا العائلة للضيم أو الاستسلام النهائي لإيمانها العميق و مبادئها العالية التي تتخطى النمط الدنيء 
المنغلق على الذات و الأسرة ، لإن النضال المباشر متجذر كذلك في الدكتور ليلى سويف فتحولت لزميلة درب فضلًا عن كونها زوجة صالحة ، ظاهريًا تدعم زوجها منذ تحضيره لرسالة الماجستير في القانون الجنائي أثناء فترة اعتقاله في خمس سنوات .
 
و هكذا ، نشأ علاء عبد الفتاح ليجد نفسه وسط عائلة نادرة الوجود و أصيلة التوجه، سالكًا نهجهم الذي كلفه الكثير من عمره بالإضافة لتشويه و التشهير به و التفكك العائلي ، و تطليق زوجته بعد أن كانا شرارة الثورة الإلكترونية عام ٢٠١١، لتعلق قصته منذ إعادة اعتقاله في سبتمبر ٢٠١٩ بعد حملة المقاول و رجل الأعمال محمد علي ، و يعاد التعريف بقضيته عالميًا في أبريل ٢٠٢٢ م أثناء مؤتمر المناخ المعقود لتحسين صورة النظام سياسيًا و حقوقيًا فاتحًا الباب حول سؤالين ملحين في التاريخ السياسي ، و علم الاجتماع النفسي للشعوب و الدول باختصار ألا و هو استمرارية و نهاية مكانة الدول ، و نفسها بدوي صاخب و صدمة مدوية .
 
الخطر المحلق ، و الموت البطيء :السجن الكبير حياة كاملة.
نظر الفيلسوف الإنجليزي جيرمي بنتام في القرن السابع عشر لمفهوم السجن المعمم على كافة أرجاء الحياة أو كل تفاصيلها من اليمين لليسار مسميًا إياها بالبنيبتكيون ،و بالمناسبة هو لفظ يوناني قديم يعني الشمول أو الإحاطة ،ليتحول بعدها لعمود فقري من أعمدة الدولة الحديثة ، لكن ما لم يكن يتوقعه أن يطبق كما يقوله ؛بل لن نبالغ إن لم نقل أنها تفوقت عليها بخطوات كثيرة ، لإنها دولة معتمدة في المقام الأول على السجن العملي و التطبيقي .
 
طبقت الدولة المصرية على مدار العقد الأخير استراتيجات إجرامية عديدة منذ المجازر العديدة الممتدة عدة أعوام منذ رابعة و النهضة و محمد محمود فرمت بذلك لحقبة سوداء قاتمة قوامها القهر الضخم ، ممزوجة بالتكيف و التحايل على الظروف بشكل يسمح بإكمال الحياة دون مراعاة أو حتى معرفة أعراضه على المدى الطويل ،ما سمح لبعض المجتمع بالانتحار القيمي ،و تتويج الانحدارات المختلفة ، و أعراضها الكارثية و عواقبها الوخيمة من قتل في وضح النهار و سقوط الأمان ، و زيادة السرقة و الإدمان بسبب الاستبداد السياسي و سجننة الحياة اليومية ، أو مثلما أكد عالم الآثار  غاي ميدلتون في كتابه فهم الانهيار. 
 
و أدت تلك الوسائل البوليسة و الأمنية شديدة التسلط و البطش لتحويل البلد لسجنين أحداهما أكبر و حدوده السماء ، و الآخر السجون المعتادة ، و كليهما يحكم بالخوف و الترهيب ظنًا من الطاغية الحاكم أنه يستبب له الأمر و الملك للأبد دون أن يعلم أو يعلم و يعيش في لعنات الخوف الهيستري و الترقب ليومه المنتظر الذي سيلقيه و لن يدرك الهروب ، لكن بعد الانهيار متعدد الأبعاد من المجتمع للثقافة مرورًا بالسياسة و حتى المجالات المعقدة و التفرعات الدقيقة مثل العمل و الأكاديميا بكل تخصصاتها ، واضعة الدولة ككل في مهب الريح ، و هذا ما طبق تفصيلًا حتى صارت مصر أمة على حافة الهاوية مثلما عنون الباحث المصري ماجد مندور كتابه الأخير .
 
و طبقًا لكتاب مندور ، فليس من السهل استمرار الدولة على مستويات هيكلية و اجتماعية عميقة مثل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي أعادت تشكيل المجتمع المصري بأكمله تحت عينها و إشرافها ، بل و تعجل بعمل قلب تام و شامل للطبقات الاجتماعية فالفقير يزيد فقرًا و تجهيلًا و الغني يزيد تملكًا و غنًا غير العديد من الطفليات الاجتماعية الراقصة على الأنقاض ، فضلًا عن تفخيخ و إعادة تدوير بلطجية و شبيحة النظام الذي لمع مهرب مخدرات و تاجر زيتون مثل إبراهيم العرجاني ، و اقحامه سياسيًا عبر حزب الجبهة الوطنية .
 
تتوج هذه الرؤية و المنظومة المنهارة بفتح الخطر الذي يواجه الفرد في كافة جوانبه حياته لينتهي المرء مثلما يبرر إتيان دو لابوسيه في كتابه العبودية المختارة لقبول الوقائع و فك لحمة المجتمع المتماسك الضعيف في الأساس ليقفز الباحث هشام صدقي بمراجعته التفصيلة بأن "الدولة على شفا الهاوية"نظرًا لما يتواجد من خيارات محدودة و كلها مميتة أو مؤذية أو كارثية ، مندرجة كلها تحت بنود الاعتقال التعسفي أو الفصل عند الاعتراض على فساد المؤسسات أو الاختفاء القسري من دون تهم أو السكوت الخنوعي ليلوح سؤال حيوي حول مستقبل مصر و مكانتها العامة  التي ستنحدر بنسبة ضخمة بسبب الظلم الطغياني  .
مصر بين الحرب الأهلية و ثورة الجياع .
 
ينظر للشدة المستنصرية باعتبارها مرحلة مفصلية و محورية في التاريخ المصري عبر العديد من المؤشرات الدالة الموثقة تاريخيًا ، بما فيها بيع سيدة ثرية لعقدها اللؤلؤي الخالص لشراء حقيبة طحين صغيرة لإطعام صغارها الجوعى ، حتى سجلها ابن خلدون في تاريخه و المقزيزي في الخطط الذي تحدث باستطراد عما وجهته الأحداث، فاعتبرا أن تلك السيدة البرئية الثرية في الأصل علامة على ثورة الجياع ، فضلًا عن تناحر المصرين و قتالهم بعضهم لبعض وصولًا لأكل بعضهم و لحوم الكلاب و القطط لمدة لا تقل عن ٧ سنوات .
 
كما قاس المفكر و الأديب المصري عمار على حسن في حوار صحفي مع موقع الحرية أن المؤرخين بعد قرابة قرن من الزمان سيحكم المؤرخون على تلك اللحظة المحورية ، ما دفع الباحث الدكتور نزيه الأيوبي للاتفاق الضمني مع الدكتور عمار في ظاهرة ضخامة و سيطرة الدولة الظالمة بالوسائل المتاحة حتى تتفكك الدولة بإحدى الطرق الآتية إما ثورة جياع أو ثورة مسلحة أو تحلل كامل في لحظة مفاجئة تصدم الجميع ، مما قد  يؤدي لتسريع وتيرة الانحدار بفعل الانهيار النفسي و الاجتماعي للوصول لنقطة الصفر حيث تفقد كل مقومات و تفاصيل الدولة لتعود لحالة البدائية اقتصاديًا و سياسيًا بالكامل .
 
برغم ما تبدو عليه مصر من تماسك و ثبات زائف و بيرقواطية متوغلة في جسمها ، فإن التماسك الوهمي يحيط الدولة بهالة وهمية بالقوة ، سواء كانت أمنية أو بوليسة ، فهي موجهة بالأساس للحماية و السيطرة لا لاستمرار الحياة أو الرفاهية لإن اتساع نطاق الدائرة المستهدفة القضاء عليها أو إسكاتها لتشمل جميع المواطنين علي الأرض بمختلف توجهاتهم ، مشتركة عبر التاريخ كله بدء من الماركيثية ، و المناهضة للشيوعية و الماركسية التي أدت للانفجار الكامل و الكلي أو النموذج السوري المؤلم المستمر لمدة ١٢ عامًا حولت فيها البلاد لأرض خربة ذات أنقاض مدمرة بسبب الوحشية الناجمة عن الاقتتال الأهلي .
 
إن الاقتتال الأهلي في مصر إذ حدثت الحرب الأهلية الطبقية التي تقلب المجتمع رأسًا على عقب ، و ليس شرطًا أن تتعمد على العوامل العرقية و القبيلة ، مثل رواندا و بولندا لإن القصد من التحارب إرساء العدل بعدما خربت بالأكمل ، مما أزاد الوحشية المتطرفة نظرًا لعدة ممارسات أهمها ما ذكره الباحث البارز و البروفسور سينشيا ماليشربيش في كتابه سوسيولوجيا العنف و الإرهاب أن العنف لا يولد تلقائيًا ، بل يزرع زرعًا للسياسات الخاطئة و القمعية تخلق أرضية خصبة ممهدة لكل الموبقات ، و الجرائم الاجتماعية و السيسياجتماعية المهشمة للعقد و الأصول الدينية الأخلاقية التي تهمش على حساب المال ، و تستبدلها بفلسفة متناقضة مثلما ذكر الدكتور محمد المهدي أستاذ علم النفس .
 
 
و لا يتوقف الأمر عند ذلك السيناريو إذ أنها مهددة بوتيرة متسارعة من الجياع بسبب الضغط الاقتصادي الشديد الذي لا يهتم به فقط لإنها صمام الأمان و الحفاظ على الكيان الإسرائيلي المحتل ، و لا أمل في مستبد بهم أغلق عليهم الباب حتى تعفنوا لآخر درجة ، وصولًا لمرحلة الانهيار الكلي لهم مثلما ذكر جوزيف أ تاينتر في كتابه انهيار المجتمعات المعقدة ، لينتهي ببلد مشرذم ذا مجتمع متشظي بدولة متسلطة بمعادلة أستاذ العلوم السياسية جويل ميجدال في كتابه العلاقات السلطانية و المجتمعات في العالم الثالث ، منتظر المعجزة الخارقة للعادة في ظل خوف منحط ممزوج بالتجاوز و التعدي المستفحل و الأناني لخدمة الفرد لا لنجاته بل لمحاولة الهروب من مناخ صنعه بخنوعه و سكوته .

حول

موقع طيور البارد الالكتروني مجموعة مهتمة بالشأن الفلسطيني تعنى برفع سوية المجتمع والعمل التطوعي. توسعت أنشطة عملها مع اللاجئين و المجتمع الفلسطيني في كل العالم لجمع الشتات